الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الخازن: قوله: {الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين} يعني الذين يعملون الحسنات، ثم ذكرهم فقال: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية قيل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة وكان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشًا ويقول إن محمدًا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن.فأنزل الله هذه الآية وقيل هو شراء القينات والمغنين، ومعنى الآية ومن الناس من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث؛ وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام» وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو ليضل عن سبيل الله} وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله له شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت أخرجه الترمذي وهذا لفظه عن أبي أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام» وفي مثل هذا نزلت {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وكسب المزمار وقال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيمًا عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله تعالى يقول: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية وعن أبي مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ومعنى تشتري يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن.وقال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وقال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق وقيل: هو كل لهو ولعب وقيل: هو الشرك {ليضل عن سبيل الله} يعني عن دين الإسلام وسماع القرآن {بغير علم} يعني يفعله عن جهل وحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق {ويتخذها هزوًا} أي يتخذ آيات الله مزحًا {أولئك} يعني الذين هذه صفتهم {لهم عذاب مهين}.{وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرًا} أي لا يعبأ بها ولا يرفع رأسًا {كأن لم يسمعها} أي يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع {كأن في أذنيه وقرًا} أي ثقلًا ولا وقر فيهما {فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقًا} يعني وعدهم الله ذلك وعدًا حقًا وهو لا يخلف المعياد {وهو العزيز الحكيم} قوله تعالى: {خلق السموات بغير عمد} قيل إن السماء خلقت مبسوطة كصفحة مستوية وهو قول المفسرين وهي في الفضاء والفضاء لا نهاية له وكون السماء في بعضه دون بعض ليس ذلك إلا بقدره قادر مختار وإليه الإشارة بقوله بغير عمد {ترونها} أي ليس لها شيء يمنعها الزوال من موضعها وهي ثابتة لا تزول وليس ذلك إلا بقدرة الله تعالى.وفي قوله ترونها وجهان: أحدهما أنه راجع إلى السموات أي ليست هي بعمد وأنتم ترونها كذلك بغير عمد.الوجه الثاني أنه راجع إلى العمد ومعناه بغير عمد مرئية {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} أي لئلا تتحرك بكم {وبث فيها} أي في الأرض {من كل دابة} أي يسكنون فيها {وأنزلنا من السماء ماء} يعني المطر وهو من إنعام الله على عباده وفضله {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} أي من كل صنف حسن {هذا} يعني الذي ذكرت مما تعاينون {خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} أي آلهتكم التي تعبدونها {بل الظالمون في ضلال مبين} قوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} قيل هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ وهو آزر.وقيل كان ابن أخت أيوب.وقيل كان ابن خالته.وقيل إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود وقيل إنه كان قاضيًا في بني إسرائيل.واتفقت العلماء على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًا إلا عكرمة فإنه قال: كان نبيًا وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة.وروي أنه كان نائمًا نصف الليل فنودي يا لقمان هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض فتحكم بين الناس فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعًا وطاعة وإني أعلم أن الله إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاها الظلم من كل مكان إن عدل فبالحرى أن ينجو وإن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلًا خير من أن يكون شريفًا، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده، فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو الله عنه وكان لقمان يوازر داود لحكمته وقيل كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا وقيل كان خياطًا وقيل كان راعي غنم فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلانًا الراعي قال: بلى قال فبم بلغت ما بلغت؟ قال بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني، وقيل كان عبدًا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وقيل: خير السودان بلال بن رباح ومهجع مولى عمر ولقمان والنجاشي رابعهم أوتي الحكمة والعقل والفهم وقيل العلم والعمل به ولا يسمى الرجل حكيمًا حتى يجمعها وقيل الحكمة المعرفة والإصابة في الأمور وقيل: الحكمة شيء يجعله الله في القلب ينوره كما ينور البصر فيدرك المبصر.وقوله: {أن أشكر الله} وذلك لأن المراد من العلم العمل به والشكر عليه {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه} أي عليه يعود نفع ذلك وكذلك كفرانه {ومن كفر} عليه يعود وبال كفره {فإن الله غني} أي غير محتاج إلى شكر الشاكرين {حميد} أي هو حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد.وقوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه} قيل اسمه أنعم وقيل أشكم {وهو يعظه} وذلك لأن أعلى مراتب الإنسان أن يكون كاملًا في نفسه مكملًا لغيره فقوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله} إشارة إلى الكمال وقوله وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه إشارة إلى التكميل لغيره وبدأ بالأقرب إليه وهو ابنه وبدأ في وعظه بالأهم وهو المنع من الشرك وهو قوله: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} لأن التسوية بين من يستحق العبادة وبين من لا يستحقها ظلم عظيم لأنه وضع العبادة في موضعها.قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن} قال ابن عباس شدة بعد شدة وقيل إن المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والتعب والمشقة وذلك لأن الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاعة ضعف {وفصاله في عامين} أي فطامه في سنتين {أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير} لما جعل الله بفضله للوالدين صورة التربية الظاهرة وهو الموجد والمربي في الحقيقة جعل الشكر بينهما فقال اشكر لي ولوالديك ثم فرق فقال إلي المصير يعني أن نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي عليك في الدنيا والآخرة وقيل لما أمر بشكره وشكر الوالدين قال الجزاء على وقت المصير إلي، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين {وإن جاهداك على أن تشرك بين ما ليس لك به علم فلا تطعهما} قال النخعي: يعني أن طاعتهما واجبة فان أفضى ذلك إلى الإشراك بي فلا تطعهما في ذلك لأن لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} أي بالمعروف وهو البر والصلة والعشرة الجميلة {واتبع سبيل من أناب إلي} أي اتبع دين من أقبل إلى طاعتي وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقيل من أناب إلي يعني أبا بكر الصديق قال ابن عباس: وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقالوا له قد صدقت هذا الرجل وآمنت به قالت نعم إنه صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلما بإرشاد أبي بكر {ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}.{يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ قال يا بني إنها أي الخطيئة إن تك مثقال حبة من خردل أي في الصغر {فتكن} أي من صغرها {في صخرة} قال ابن عباس: صخرة تحت الأرضين السبع وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار وخضرة السماء منها وقيل خلق الله الأرض على حوت وهو النون والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك وقيل على ظهر ثور وهو على صخرة وهي التي ذكر لقمان ليست في الأرض ولا في السماء فلذلك قال: {أو في السموات أو في الأرض} والصخرة على متن الريح والريح على القدرة {يأت بها الله} معناه الله عالم بها قادر على استخراجها وهو قوله: {إن الله لطيف} أي باستخراجها {خبير} أي بمكانها ومعنى الآية الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها قيل إن هذه الكلمة آخر كلمة قالها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها وعظمتها فمات {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} من الأذى {إن ذلك من عزم الأمور} يعني إقامة الصلاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى من الأمور الواجبة التي أمر الله بها {ولا تصعر} وقرىء تصاعر {خدك للناس} قال ابن عباس لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك وقيل هو الرجل يكون بينك وبينه محبة فيلقاك فتعرض عنه وقيل هو الذي إذا سلم عليه ولوى عنقه تكبرًا وقيل معناه لا تحتقر الفقراء فليكن الفقير والغني عندك سواء {ولا تمش في الأرض مرحًا} أي خيلاء {إن الله لا يحب كل مختال} في مشيه {فخور} أي على الناس {واقصد في مشيك} أي ليكن في مشيتك قصد بين الإسراع والتأني أما بالإسراع فهو من الخيلاء وأما التأني فهو أن يرى في نفسه الضعف تزهدًا وكلا الطرفين مذموم بل ليكن مشيك بين السكينة والوقار {واغضض} أي اخفض وقيل وانقص {من صوتك إن أنكر} أي أقبح {الأصوات لصوت الحمير} لأن أوله زفير وآخره شهيق وهما صوت أهل النار وعن الثوري في هذه الآية قال صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار وقيل معنى الآية هو العطسة القبيحة المنكرة قال وهب: تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم ومن حكمته قيل: إنه كان عبدًا حبشيًا فدفع إليه مولاه شاة وقال له: اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها فاتاه باللسان والقلب ثم دفع إليه أخرى وقال له اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب فسأله مولاه فقال ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا وقال لقمان ليس مال كصحة ولا نعيم كطيب نفس.وقيل للقمان أي الناس شر قال الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئًا.قوله: {ألم ترو أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ} أي أتم وأكمل {عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن والباطنة ما ستر عليكم من الذنوب ولم يعجل عليكم بالنقمة؛ وقيل الظاهرة تسوية الأعضاء وحسن الصورة والباطنة الاعتقاد بالقلب وقيل الظاهرة الرزق والباطنة حسن الخلق وقيل الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة وقيل الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الامداد بالملائكة وقيل الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأمية بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه سلم في الله وفي صفاته بغير علم {ولا هدى ولا كتاب منير}.{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه أباءنا} قال الله تعالى: {أولو كان الشيطان يدعوهم} معناه أفيتبعونهم وإن كان الشيطان يدعوهم {إلى عذاب السعير}. اهـ..قال النسفي: {آلم تلْكَ ءايات الكتاب الحكيم}.ذي الحكمة أو وصف بصفة الله عز وجل على الإسناد المجازي {هُدًى وَرَحْمَةً} حالان من الآيات والعامل معنى الإشارة في {تلك} حمزة بالرفع على أن {تلك} مبتدأ و{آيات الكتاب} خبره و{هدى} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو أو هي هدى ورحمة {لّلْمُحْسنينَ} للذين يعملون الحسنات المذكورة في قوله: {الدين يُقيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} ونظيره قول أوس:أو للذين يعملون جميع ما يحسن.ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاثة لفضلها: {أولئك على هُدًى} مبتدأ وخبر {مّن رَّبّهمُ} صفة ل {هدى} {وأولئك هُمُ المفلحون} عطف عليه {وَمنَ الناس مَن يَشْتَرى لَهْوَ الحديث} نزلت في النضر بن الحرث وكان يشتري أخبار الأكاسرة من فارس ويقول: إن محمدًا يقص طرفًا من قصة عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث الأكاسرة فيميلون إلى حديثه ويتركون استماع القرآن.
|